البهتان : 

هو الكذب والافتراء الباطل الذي يُتحيَّر منه".

 

وقال المناوي رحمه الله: "البهتان: كذبٌ يَبهتُ سامعه ويدهشه ويحيره؛ لفظاعته، وسُمِّيَ بذلك لأنه يبهَتُ: أي يُسْكِتُ لتخَيُّل صحته، ثم يَنكشف عند التأمُّل.

 

وقال الكَفوي رحمه الله: "البهتان: هو الكذب الذي يبهت سامعه؛ أي: يَدْهَشُ له ويتَحَيَّرُ، وهو أفحشُ مِن الكذب، وإذا كان بحضرة المقول فيه كان افتراءً.

 

وقيل: "كلُّ ما يَبْهَتُ له الإنسانُ من ذنب وغيره".

(النهاية في غريب الحديث والأثر: 1/ 165)، (الكليات للكفوي: صـ 154)، و (التوقيف للمناوي: صـ84).

 

 حكم البهتان:

عدَّ ابنُ حجر الهيتمي رحمه الله البهتانَ من كبائر الذنوب، وذكَر أنه أشدُّ من الغيبة؛ إذ هو كذبٌ فيَشُقُّ على كلِّ أحد، بخلاف الغيبة التي لا يشقُّ على بعض العقلاء؛ لأنها فيه، وقد جاء في الحديث الذي أخرجه الإمام أحمد: ((خمس ليست لهن كفَّارة: الشِّرك بالله، وقتل النفس بغير حق، وبَهْتُ مؤمنٍ، والفِرار يوم الزَّحف، ويمين صابرة - أي: كاذبة - يقتَطِعُ بها مالاً بغير حق)).

 

ولِمَا رواه الطبراني: ((مَن ذكر امرَأً بشيء ليعيبه به؛ حبسَهُ الله في نار جهنم حتى يأتي بنفاذ ما قال فيه)).

 

ووجهُ مَن عدَّ البهتَ من الكبائر مع عَدِّه الكذبَ كبيرة أخرى - أن هذا كذبٌ خاصٌّ فيه هذا الوعيد الشديد، فلهذا أُفْرِدَ بالذكر"؛ اهـ بتصرف (الزواجر: صــ 357).

 

وكان يقال: "رأسُ المآثمِ الكذبُ، وعموم الكذب البهتان"؛ (المستطرف: 1/ 357)

 

 معاني البهتان في القرآن الكريم:

ومن معاني البهتان التي وردت في القرآن الكريم ما يلي:

أولاً: الزنى:

ومنه قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [الممتحنة: 12].

 

وأخرج البخاريُّ عن عُبادة بن الصَّامت رضي الله عنه - وكان شهِدَ بدرًا، وهو أحد النُّقباء ليلة العقبة - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وحوله عصابةٌ من أصحابه: ((بايعوني على أن لا تُشرِكوا بالله شيئًا، ولا تسرقوا، ولا تزنُوا، ولا تقتلوا أولادكم، ولا تأتوا ببهتان تفتَرُونه بين أيديكم وأرجلكم، ولا تعصوا في معروفٍ، فمَن وفَى منكم فأجره على الله، ومَن أصاب من ذلك شيئًا فعوقب في الدنيا فهو كفارةٌ له، ومَن أصاب من ذلك شيئًا ثم ستره الله فهو إلى الله، إن شاء عفا عنه وإن شاء عاقبه))، فبايعناه على ذلك.

 

ثانيًا: الحرام:

ومنه قوله تعالى: ﴿ وَإِنْ أَرَدتُّمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا فَلاَ تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا * وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا ﴾ [النساء: 20 - 21].

 

ثالثًا: الكذبُ الفاحش، وهو بيت القصيد، والمَعْنِي من الكلام:

ومنه قوله تعالى: ﴿ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ * إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ * وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ ﴾ [النور: 14 - 16].

 

قال ابن كثير في تفسير قوله تعالى: ﴿ سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ ﴾ [النور: 16]:

"أي: سبحان الله أن يُقَال هذا الكلام على زوجة رسوله وحليلةِ خليلِهِ، أي ما ينبغي لنا أن نتفوَّه بهذا الكلام". اهــ بتصرف (تفسير ابن كثير: 3/ 274).

 

وأخرج البخاري عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب الناس فحَمِدَ الله وأثنى عليه وقال: ((ما تشيرون عليَّ في قومٍ يَسبُّون أهلي ما علمتُ عليهم من سوءٍ قط))، وعن عُروة قال: "لَمَّا أُخْبِرَت عائشة بالأمر قالت: يا رسول الله، أتأذن لي أن أنطلق إلى أهلي؟ فأذن لها وأرسل معها الغلام، وقال رجلٌ من الأنصار: سبحانك ما يكون لنا أن نتكلَّم بهذا، سبحانك هذا بهتان عظيم"!

 

 وقال تعالى: ﴿ فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِم بَآيَاتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقًّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً * وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا ﴾ [النساء: 155 - 156].

 

قال ابن كثير في قوله تعالى: ﴿ وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا ﴾ [النساء: 156]:

"عن ابن عباس رضي الله عنهما: يعني أنهم رموها بالزنى، ورموها وابنَها بالعظائم...؛ فعليهم لعائن الله المتتابعة إلى يوم القيامة". اهــ بتصرف (تفسير ابن كثير: 1/ 573).

 

 وقال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا * وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا ﴾ [الأحزاب: 57 - 58].

 

قال ابن كثير رحمه الله في تفسير قوله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا ﴾ [الأحزاب: 58]:

أي: ينسبون إليهم ما هم براءٌ منه لم يعملوه ولم يفعلوه ﴿ فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا ﴾، وهذا هو البُهْتُ الكبير أن يَحكِي أو ينقل عن المؤمنين والمؤمنات على سبيل العيب والتَّنقُّص لهم، ومن أكثر مَن يدخل في هذا الوعيد الكفرةُ بالله ورسوله، ثم الرافضة الذين ينتقصون الصحابة ويعيبونهم بما قد بَرَّأهُم الله منه ويصفونهم بنقيض ما أخبر الله عنهم؛ فإن الله عز وجل قد أخبر أنه قد رَضِيَ عن المهاجرين والأنصار ومدحهم، وهؤلاء الجهلة الأغبياء يَسُبُّونهم وينتقصونهم ويذكرون عنهم ما لم يكن ولا فعلوه أبدًا، فهم في الحقيقة مُنكَّسو القلوب، يذمُّون الممدوحين، ويمدحون المذمومين"؛ (تفسير ابن كثير: 3/ 517).

 

 وأخرج البخاري عن أنس رضي الله عنه قال: "بلَغ عبدالله بن سلام مَقْدَمُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم المدينةَ، فأتاه فقال: إني سائلك عن ثلاث لا يعْلمُهنَّ إلا نبي، قال: ما أول أشراط الساعة؟ وما أول طعام يأكله أهل الجَنَّة؟ ومن أي شيء ينزعُ الولد إلى أبيه؟ ومن أي شيء ينزع إلى أخواله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((خَبَّرَني بهن آنفًا جبريل))، قال: فقال عبدالله: ذاك عدوُّ اليهود من الملائكة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أمَّا أول أشراط الساعة فنار تحشرُ الناس من المشرق إلى المغرب، وأما أول طعام يأكله أهل الجَنَّة فزيادةُ كبدِ حوت، وأما الشَّبَهُ في الولد فإن الرجل إذا غَشِيَ المرأة فسبَقها ماؤُهُ كان الشَّبَهُ له، وإذا سبق ماؤها كان الشَّبَهُ لها))، قال: أشهد أنَّك رسول الله، ثم قال: يا رسول الله، إن اليهود قومُ بُهْتٌ، إن عَلِموا بإسلامي قبل أن تسألهم بهَتوني[2] عندك، فجاءت اليهود، ودخل عبدالله البيت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أي رجلٍ فيكم عبدالله بن سلام؟))، قالوا: أعلمُنَا وابن أعلَمِنِا، وأخيرُنَا وابن أخْيَرِنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أفرأيتم إن أسلم عبدالله؟))، قالوا: أعاذه الله من ذلك، فخرج عبدالله إليهم، فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا رسول الله. فقالوا: شَرُّنا وابن شَرِّنا، ووقعوا فيه".

 

• وأخرج الإمام مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((أتدرون ما الغيبة؟))، قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: ((ذكرُك أخاك بما يكره))، قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: ((إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه فقد بهته)).

 

 الفرق بين البهتان والاغتياب والافتراء والإفك:

تتقارب معاني هذه الألفاظ، بَيْدَ أنها عند التدقيق ممَّا تَختلف دلالته وتتفاوَت؛ فالاغتياب: هو أن يتكلَّم شخصٌ خلف إنسانٍ مستور بكلامٍ هو فيه، وإن لم يكن ذلك الكلام فيه فهو بُهتان، والكذب الفاحش الذي يُدْهَشُ له سامعُه هو بهتانٌ إن لم يكن بحضرة المقول فيه؛ فإن كان بحضرته كان افتراء، سواء أكان ذلك عن قصد أم عن غير قصد، فإذا كان ذلك عن قصد كان إفكًا؛ (بتلخيص عن الكفوي في الكليات).










المراجع : 

https://www.alukah.net/sharia/0/100882/

تعليقات

المشاركات الشائعة